فايزة هنداوي تكتب: خيري بشارة يثور ضد القمع وينتصر للحب في ” يوم الحداد الوطني للمكسيك”

5/5 - (19 صوت)
فايزة هنداوي
فايزة هنداوي

خيري بشارة يثور ضد القمع وينتصر للحب في ” يوم الحداد الوطني للمكسيك”

يصادف اليوم عيد ميلاد المخرج الكبير خيري بشارة وقد قررت الاحتفال بهذه المناسبة باعادة مشاهدة فيلم ” يوم الحداد الوطني في المكسيك” والكتابة عنه

الفيلم عرض ضمن سلسلة ضمت ثمانية أفلام قصيرة عرضتها منصة نتفليكس بعنوان “في الحب.. والحياة” لمخرجين من ست دول عربية ، وهي مصر، وتونس، والمغرب، وفلسطين، والسعودية، ولبنان.

لم تفاجئني الروح الشابة المتمردة لخيري بشارة التي تلاقت مع الفكرة الطازجة، والكتابة الذكية لنورا الشيخ مؤلفة الفيلم فكان برأيي اهم أعمال السلسلة لما يتميز به من فكرة مبتكرة وسرعة في الإيقاع وذكاء في الطرح.

في ندوة تكريمه بمهرجان الاسماعيلية قال خيري بشارة أنه بعد عرض فيلم “يوم حلو ويوم مر” قال له أحد المشاهدين ان الفيلم أعجبه بشدة ولكنه أصابه بذبحة صدرية، مما جعل بشارة يعيد تفكيره في السينما التي يقدمها وأضاف ” اكتشفت أن السينما لا تصنع ثورة فقررت تقديم أفلام تسعد الناس”، ورغم اختلاف الأفلام التي قدمها بعد ذلك بالفعل عن أفلامه السابقه، إلا أنه لم يبتعد عن همه الأساسي، وهو الإنسان ، وهو الهم الرئيسي لكل مبدع حقيقي، ففي فيلم “يوم الحداد الوطني في المكسيك” الذي يعود به للسينما بعد غياب طوبل، يشغله الإنسان ومشاعره وحقه في التعبير عن هذه المشاعر، من خلال فكرة تنتمي لعالم الفانتازيا في ظاهرها ولكنها في حقيقة الأمر ترصد واقع مر يعيشه الإنسان المعاصر، الذي يتعرض للقمع من عوامل حياتية كثيرة، ولا يحدد الفيلم مكان أو زمان معين، بل اختار بشارة مكانا خياليا حيث تصدرت الفيلم عبارة تقول “الأحداث مستوحاه مما حدث في مدينة باظ الجديدة عاصمة جمهورية جنوب آسيا حين اصدرت المحكمة قرارا بمنع عيد الحب”، ذلك أن أحداث الفيلم كلها في يوم واحد وهو يوم “عيد الحب” ويناقش دولة خيالية قامت فيها السلطات بمنع الحب وجميع مظاهرة سواء ارتداء اللون الأحمر و الاستماع للأغاني الرومانسية أوشراء الورود والبالونات الحمراء وصولا للمشاعر الداخلية بقياس ضربات قلب المواطنين للتأكد انهم ليسوا في حالة حب والقاء القبض علي من يضبط متلبسا بالحب .

يرصد الفيلم من خلال هذه الفكرة نماذج مختلفة من المواطنين، يمكن قياس هذه النماذج علي كل البشر في كل المواقف التي يتعرضون فيها للظلم ، فنجد من ينصاع تماما للقهر خوفا لدرجة نسيان مشاعره الحقيقية، وهناك من يتظاهر بالطاعة، لكنه يتمرد في الخفاء ويفعل ما يحلو له، ومنهم من يتمرد بشكل واضح ويثور علي هذه الحالة من القمع ، ومنهم من يتبرع بالابلاغ عن الثائرين املا في رضا السلطة، إضافة لوجود فئة تستفيد من هذا القمع بالتجارة في هذه الممنوعات و توفير مكان مسموح فيه بكل مظاهر الحب بمقابل مادي بعيدا عن أعين السلطة.

خيري بشارة أصبح يتمسك بالبهجة في أفلامه كما قال وهو ما ظهر في اللمسة الكوميدية التي ساهمت في اضفائها الملابس التي صممتها مروة عبداسميع، والديكور لمرورة البرماوي كما كانت موسيقي التصويرية لنانسي سمير هادئة وناعمة متماشية مع حالة الرومانسية.

إيقاع الفيلم جاء سريعا، فالأحداث تتطور حتي تتحول البلاد كلها الي حالة ثورة علي القمع يشارك فيها الجميع لتنتصر إرادة الشعب في النهاية.

برع بشارة كعادته في إدارة الممثلين، فجاء ادائهم مقنعا بسيطا غير معقد، وخاصة ندي الشاذلي، وآسر ياسين الذي كانت بدايته مع خيري بشارة في مسلسل “قلب حبيبة” ولفت وقتها الأنظار بشدة.

والحب علي أهميته في الفيلم ليس مقصودا به حالة الحب بين الرجل والأنثي فقط، بل جاء إشارة إلي حق الإنسان في الحياة وفي ممارسة إنسانيته، فالفيلم يبدو بسيطا ولكنه بناقش افكارا معقدة وعميقة، وهنا تكمن عبقرية الفيلم الذي نتنمني أن يكون بداية عودة مخرجينا الكبار، من خلال المنصات الرقمية التي فتحت مجالا جديدا للسينمائيين بعيدا عن شروط الانتاج التي لم تعد ملائمة لانتاج سينما حقيقية، وإن كنا نرجو ان تقوم هذه المنصات بعرض هذه الافلام أولا في دور العرض، لتبقي للسينما حالتها وطقوسها الخاصة.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد