فايزة هنداوي تكتب: ” فرحة” .. توثيق جرائم النكبة بعيون فلسطينية

5/5 - (9 أصوات)

فايزة هنداوي
فايزة هنداوي

كشف الحقائق هو العدو الأول لكل كاذب ومضلل، لذلك ثارت إسرائيل علي فيلم “فرحة”، ففي الوقت التي تواصل فيه تضليل الرأي العام العالمي ، وتصوير الكيان الصهيوني الغاصب علي أنه صاحب الحق، الذي بتعرض للعدوان يأتي فيلم “فرحة” ليزلزل هذه الأكاذيب، ويؤكد أنهم مجرمون وسفاحون، لذلك ليس مستغربا أن تطالب إسرائيل منصة نيتفلكس بحذف الفيلم، و يقول وزير المالية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أنه “من الجنون أن تبث نتفليكس فيلما هدفه خلق ذريعة كاذبة والتحريض على كراهية الجنود الإسرائيليين”،ويهدد “خيلي تروبر” وزير الثقافة بإغلاق مسرح السرايا في يافا بسبب عرض الفيلم.


الفيلم الأردني يكشف بلغة سينمائية ناعمة، الجرائم والمذابح الصهيونية التي بدأت مع النكبة عام 1948، من خلال قصة حقيقية للفتاة “وضحة”، الذي تغير إسمها في الفيلم إلي فرحة، وهي الناجية الوحيدة من أحدي القري الفلسطينية التي تعرضت للغزو الصهيوني عام 1948، حيث قام والدها بحبسها في مخزن الطعام بإغلاق الباب عليها من الخارج حتي يحميها من مواجهة قوات الاحتلال، حتي يعود.


الفيلم بدأ بفلسطين الجميلة، حيث الطبيعة الساحرة، والهدؤ، والأفراح ولهو الأطفال، مع عدم إغفال بعض عيوب المجتمع الريفي الفلسطيني، مثل تزويج القاصرات، وحرمان البنات من التعليم العالي في المدن، ولكن “فرحة” أصرت علي إقناع والدها “المختار”بحقها في التعليم في المدينة، وعدم رغبتها في الزواج المبكر بعد أن أتمت تعليمها على يد شيخ في الكُتاب، ولكن في اللحظة التي يوافق فيها والدها، تدخل قوات الكيان الصهيوني، لتقتل لديها فرحة الحلم التي كانت علي وشك تحقيقه حيث فضلت البقاء بجانب والدها، الذي ذهب ولم يعود.


تنجح دارين في أن تجعل المشاهد يدخل مع فرحة إلي محبسها “المخزن” ، ليعيش معها محاولاتها للنجاة ، وقلقها علي والدها، و يشعر معها بالرعب حين تشاهد جرائم الاحتلال، فأثناء محاولاتها للنجاة وتحدي القلق والخوف، نري بعينها من خلال فتحة في الجدارتشبه خريطة فلسطين، فتصبح شاهدة علي جرائم العصابات الصهيونية التي قتلت بدم بارد أسرة مسالمة مكونة من الأب والأم والأبناء وتركوا رضيع مولود منذ ساعات في الهواء الطلق حتي مات.


وأثناء معاناة فرحة ، تفاجئها الدورة الشهرية لأول مرة، حيث قضت التجربة القاسية التي عاشتها، علي أحلام الطفولة وبرائتها، لتنتقل إلي سن البلوغ وتحمل مسئولية نفسها بعد تأكد عدم عودة والدها بما يعني قتله علي يد قوات الاحتلال.


وقد مهد الفيلم لما سيحدث في القرية من خلال حوار بين المختار وبين أحد جيرانه، عن ضرورة المقاومة ليؤكد المختار انه سينضم للمقاومة بعد وصول القوات العربية، في اشارة إلي الانتظار الفلسطيني الدائم للمساندة العربية ودعم قضيتهم العادلة، مما يذكرنا بمشاهد محمود الجندي في فيلم “ناجي العلي”للمخرج الراحل عاطف الطيب.


لم نر اي مشاهد للقتل أو للدم في الفيلم، لكن المخرجة نجحت بحساسية وموهبة شديدة، في نقل الدموية التي تميز بها الصهاينة منذ دخولهم لفلسطين واغتصاب أرضها وقتل أهلها وتهجيرهم، فهذه القرية ليست إلا نموذج لمئات القري التي اغتصبها الكيان الصهيوني، والتي تحولت من قرية هادئة جميلة الي بلد مهدم خاوي من أهله الذين قتلوا أو هجروا، حيث أدت النكبة واندلاع الحرب بعد إعلان دولة إسرائيل إلي طرد 700 ألف فلسطيني علي أقل تقدير، بعد أن استيلاء الاحتلال على 78 في المائة من فلسطين التاريخية، وقاموا بارتكاب أفظع الجرائم التي ما زالت مستمرة.


ولم يقع الفيلم في فخ نقديم كل الفلسطينين وكأنهم ملائكة، بل كان منهم الخائن الملثم الذي يرشد القوات الصهيونية علي أماكن الفلسطينين المختبئين في بيوتهم، كما أن الجندي الصهيوني لم يخلو من الإنسانية في لحظة، عندما تراجع عن قتل الرضيع بالرصاص، ولكنه تركه في النهاية ليموت وحيدا في العراء.


كان اختيار المخرجة للممثلين اختيارا موفقا، وخاصة الممثلة كرم طاهر، في دور فرحة ، حيث تميزت عيناها بالتحدي والقوة ، ونجحت دارين في إدراتها لتجسيد الشخصية القوية التي ترفض وتأبي الا تحقيق أحلامها، ثم التعبير عن حالة الرعب والخوف، التي انتابتها في محبسها، مع إصرارها علي المقاومة، إضافة لنجاحها في اتقان اللهجة الريفية الفلسطينية.


ولابد من تحية لجرأة المنتجتان ديمة عازر وآيه جردانه، علي اقدامهما علي انتاج هذا الفيلم الكاشف، الذي عرضهما مع كل فريق الفيلم لهذه الحملة الصهيونية الشرسة.


الفيلم يمكن تصنيفه ضمن الأفلام محدودة التكلفة، فهو يدور في أماكن تصوير قليلة، وكان نقل العدوان والجرائم من خلال المؤثرات الصوتية التي تسمعها فرحة ونسمعها معها، فندرك ما يدور بالخارج، وبرع التصوير السينمائي في الفيلم في نقل الطبيعة الفلسطينية الساحرة، المشعة وألوان الملابس الزاهية، قبل طغيان العدوان ، لتتحول القرية إلي الألوان الداكنة بفعل غبار الحرب والبيوت المهدمة، وكأنها مقبرة.


وكان عدم استخدام موسيقي تصويرية قرارا صائبا، حيث ساهم ذلك في التوحد مع فرحة فيما تسمعه وتراه.
وينتهي الفيلم بمشهد يؤكد أن المقاومة المسلحة هي الحل، فبعد كل محاولات فرحة الفاشلة للخروج من الغرفة المظلمة، تجد بالصدفة مسدس لتستخدمه في فتح الباب، وكأنه السبيل الوحيد للحل طالما استمر الظلم والعدوان والاحتلال

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد